تطرق تقرير جديد حول مشاكل العنوسة نشرته صحيفة الرياض.. وأكدت الكاتبة بحسب التقرير أن العنوسة في المجتمع أصبحت تشكل هاجسا يؤرق الكثير من الفتيات؛ مما جعل البعض منهن يتفنن في ابتكار أساليب التلميح لمن يختاره عقلها وترى فيه فارساً لأحلامها، حتى صارت “تلميحات اخطبني” موضة تتبعها بعض الفتيات، خاصةً أنّهن وجدن وسائل متعددة لذلك، حيث يعشن في زمن الانفتاح والتقنية، وتنوع مواقع وتطبيقات التواصل الاجتماعي التي باتت مقياساً جيداً لفكر الطرف الآخر وتوجهاته نحو قضايا معينة تهم كلا الطرفين، وتسهل فرصة الوصول إليه، فيما لم تتوان العديد من الفتيات من التلميح لمن يرين فيه شريكاً مناسباً للحياة الزوجية، فيقدمن العروض والتنازلات، فهذه تتخلى عن المهر، وتلك عن حفل الزواج، وثالثة عن كل شيء، فقط مقابل الحصول على من تراه متوافقاً مع أحلامها وأمانيها.
فهل اصبحت العنوسة في السعودية، وتفنن السعوديات للزواج واقعاً ؟
تسويق شخصي:
وذكرت “نوال الشهري” -معلمة- أنّها بعد أن تجاوزت سنّ (28) من عمرها خشيت على نفسها من ركوب قطار العنوسة، ففضلت التسويق لنفسها لدى شاب مثقف تمنته عن طريق والدته وشقيقاته، فعمدت على تلبس ثوب المثقفة، وأن تحفظ ما تجده أمامها من أخبار غريبة وطريفة وتسردها أمام والدته كمن تسرد نشرة أخبارية؛ لتنال إعجابها، وفعلاً بعد مدة وجيزة خطبتها لابنها الذي يبحث عن مثقفة عاقلة، وتزوجا!.
بينما لجأت “حنان السالم” إلى الحيل الالكترونية لتجذب لها صديق شقيقها، وذلك عن طريق معرف مستعار في “تويتر”، وتركيز جهدها ووقتها للفت انتباهه، مضيفةً: “نجحت في ذلك، وبدأنا في المحادثات على الخاص، وبدأ يشكي لي، ويؤكّد لي أنّي الوحيدة التي أفهمه، ولكن بعد فترة لم أجد منه نية الزواج، فاحتلت بحيلة أخرى، وهي أنّي سأتزوج من ابن عمي، فرفض الفكرة، وحاول ملياً أن يثنيني حتى عرض علي الزواج، وقبلت، لأمثل عليه مفاجأتي بمعرفتي أنّه صديق شقيقي”.
تحمل المسؤولية:
وكشفت “نورة الخالدي” -طبيبة- أنّها لم تنحرج من أن تعرض الزواج على زميلها الطبيب، وأن تغريه بعدم رغبتها في المهر، ولا حتى في مراسم زواج وحفل وبهرجة، بل يكفيها منه عقد النكاح لتعيش معه في أمن وسلام، فيما لم يحالف “أسماء السعيد” الحظ، حيث حاولت ملياً التلميح لزميلها في العمل كي يخطبها، على الرغم من استلطافهما لبعضهما البعض، وحتى بعد أن عرضت عليه فكرة الزواج تهرب بزعم أنّه لا يشعر بالرغبة في تحمل المسؤولية.
مدرسة الإنسانية:
ورأت “د.سحر رجب” -أخصائية علم النفس ومدرب ومستشار معتمد لإزالة المشاعر السلبية- أنّ فكرة تلميح الفتاة للزواج من الرجل الذي تختار وتتمنى لا تزال ثقافة خجولة لدينا، ولم تصلنا بالشكل المقبول؛ بسبب العادات والتقاليد التي تربينا عليها، ولم نحاول التواصل معها والتوافق، معتبرةً أننا بتنا نهتم للعادات والتقاليد والأعراف أكثر من تطبيقنا للسنن، متسائلةً: لماذا يكون عيبًا أن تجد سيدة أو فتاة راشدة أو حتى أب أو أخ رجلاً مناسباً راق لهم من صحبته وسروا لدينه، وخلقه، وبيئته، ويخطبه لابنته، لاخته؟ ولماذا تصبح جريمة لا تغتفر؟، أين نحن من مدرسة الإنسانية ومعلم البشرية محمد -صلى الله عليه وسلم- عندما خطبته خديجة -رضي الله عنها-، وهو ابن الخامسة والعشرين، وهي سيدة في العقد الرابع من عمرها، لماذا لم ينفر منها أو يستقبح فعلتها؟، بالعكس تزوجها وهي ذات حسبٍ ونسب، جاهٍ ومال، كان الصحابة رضوان الله عليهم عندما تموت زوجة أحدهم لا يتركونه وحيدًا يقضي ليلته، بل يسارعون لتزويجه ليأنس لها وتأنس له، ولنا في عمر بن الخطاب الفاروق أروع وأصدق مثال؛ عندما طلب من عثمان -رضي الله عنه- أن يتزوج من حفصة، فرد عليه عثمان لا رغبة له بذلك، ثم طلب من أبي بكر الطلب نفسه، فسكت -رضي الله عنه-، وبعدها خطبها محمد -صلى الله عليه وسلم-، وأصبحت أم المؤمنين والمرجع للقرآن الكريم، فلماذا لم يغضب عمر من أصحابه؟، لماذا عرضها عليهم الاثنين؟ ألا نفكر قليلاً في أنّ ما فعله درء للفاحشة، فأين نحن منه؟، لافتةً إلى أنّه لو كل أب، أو أخ، أو عم، أو خال، فعل ما فعله عمر لكان بذلك أفضل وأرقى، لتكون البيئة في حال درء للمفاتن والفساد، على الأقل يعلم الأب أنّه أحسن اختيار الصهر لابنته أو أخته، فما العيب في ذلك ومحمد -عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- تزوج بالطريقة نفسها، معتقدةً أنّ اختيار الفتاة للزوج هو أريح للنفس وأهدأ.
نظرات المجتمع:
وقال “محمد الزنيدي” -أخصائي خدمة اجتماعية-: “لا شك أنّ التغيرات الاجتماعية التي يمر بها المجتمع أدت إلى ظهور تداعيات أسفرت عن وجهها القاسي على جميع فئات المجتمع، من ضمنها ارتفاع نسبة العنوسة وتأخر سن الزواج؛ مما دفع العديد من الفتيات للجوء إلى عرض أنفسهن للزواج على الرجال بمختلف الطرق، سواء كان ذلك العرض بشكل مباشر أو بطريقة غير مباشرة؛ بهدف التخلص من الشبح المخيف، والبعد من نظرات المجتمع التي لا ترحم، لكن السؤال هنا: هل يليق بمجتمعنا المعتمد على أساس القيم والمبادئ والتقاليد الاجتماعية تقبل عرض الفتاة نفسها للزواج؟”.
وأضاف: “نعلم أنّ عرض المرأة نفسها للزواج بالرجل من الناحية الدينية جائز من دون أن تهين نفسها، وأن يتعارض سلوكها هذا مع الشريعة الإسلامية، والكل يعلم قصة خديجة -رضي الله عنها- وعرض نفسها بالزواج على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولكن المعضلة الأساسية التي تواجه عرض المرأة نفسها للزواج هي ثقافة العيب المستشرية في المجتمع، وعلى الرغم من تمسك كثير من شرائح مجتمعنا بتلك العادات، إلاّ أننا نجد الكثيرين ممن غيروا وعيهم الفكري المتماشي مع العصر، واقتنعوا أنّه لا يعيب المرأة عرض نفسها للزواج، استناداً لعدد من النظرات، فهم يرونها فطينة العقل لطلبها الستر والعفاف، بالإضافة إلى أنّها محافظة على القيم الإسلامية، ولن تطلب الغالي من المهر، كذلك هي من اختارت من يشاركها حياتها”.
ارتباط مشروع:
واعتبر “الزنيدي” أنّ أنّ المعارض لذلك يقلل من قيمة المرأة، إذ يرون أنّها تتجرد من كل سمات الحياء، إلى درجة أن البعض يحتقر الفتاة، ويدخل الكرامة في معارضته لسلوكها، مشيراً إلى أنّ المسألة أصلاً مكملة للمثل الشعبي الشهير: “اخطب لبنتك ولا تخطب لابنك”، ففي العصر الحالي ومع متغيرات العصر أصبح عرض الفتاة لنفسها بالزواج نوعاً من التطبيق العصري والمكمل للمثل، ولكن يجب أن يكون ضمن ضوابط تتماشى مع القيم الإسلامية، إذ يُفضل عدم عرض الفتاة لنفسها بشكل مباشر للزواج، بل تجعله من خلال وسيط صاحب ثقة متى ما اقتنعت بأنّ ذلك الرجل صاحب خلق ودين، لافتاً إلى أنّ بعض الأسر تنصح بناتها بانتهاز أي فرصة للارتباط بشكل “محترم ومشروع”، وهذا الأمر مكشوف مجتمعياً، فهو يتوقف على ما تملكه الفتاة من فكر، ووعي، وثقافة، من خلال حسن تصرفها بهذا الشأن، فعليها التفريق بين أن تكون “سلعة” وبين أن تكون “كيانا إنسانيا” له كرامته وعفته، مشدداً على أنّ الفتاة هي صاحبة المصلحة في الزواج، لذا فإنّ الأمر أولاً وأخيراً في يدها، فالمرأة متى ما وجدت الراحة وراضية بالرجل فلا تتردد في إكمال موضوع الزواج، لكن عليها إخبار أحد محارمها الأحباب حتى لا يكون الأمر مجرد تسلية، ووعود، وتلاعب بالعواطف، خصوصاً أنّها من عرضت نفسها للزواج.